فصل: المانع الخامس: وطء من لا يجوز الجمع بينها وبين غير الموطوءة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة في فروع المالكية ***


المانع الرابع‏:‏ اللعان

واللعان في اللغة‏:‏ البعد، سميت هذه الأيمان لعانا إما لذكر اللعنة معها، وإما لبعد الزوجين في هذه الحالة من الائتلاف بالزوجية وودها، وإما لأنها محرمة عليه للأبد، وهو بعد‏.‏

ويتمهد هذا المانع بالبحث عن السبب المبيح للقذف، ثم عن حقيقة ما يوجب اللعان منه، ثم بيان الملاعن، والملاعنة، وصفة اللعان، وثمرته، فهذه ستة أبحاث‏.‏

البحث الأول‏:‏ في الأسباب المبيحة للقذف، وهي ثلاثة‏:‏ السبب الأول‏:‏ الدفع عن النسب لئلا يختلط به غيره فيزوج غير الولي، ويحجب غير الوارث، ويخالط غير القريب، وتنتشر هذه المفاسد في الأصول والفروع، وفي الجواهر‏:‏ اللعان لذلك واجب، قال اللخمي‏:‏ وهو سبعة أقسام‏:‏ أربعة متفق عليها، إذا اجتمع الاستبراء، والرؤية، وأتى بعد ستة أشهر من الرؤية، وبعيد بالأمد دون رؤية ولا استبراء، فيقول‏:‏ لم أصبها من أربع سنين أو خمس أو سبع على الخلاف في أكثر مدة الحمل الذي يلحق فيه الولد، أو يقول‏:‏ لم أصبها بعد الوضع، أو يقول‏:‏ لم تلد به، وقال أشهب‏:‏ إذا قال‏:‏ لم تلد به ‏(‏ولم يكن رأى منها حملا حتى وضعته، إن لم ينتف منها لاعن، وإن قال‏:‏ هو ولدي ولم تلد به‏)‏ لحق به من غير لعان، وبقيت زوجة؛ لأنه لم يقذفها فالمختلف فيها الاستبراء بانفراده، والرؤية بانفرادها، وإذا كانت ظاهرة الحمل عند الرؤية أو لم تكن ظاهرة، وأتت به لأقل من ستة أشهر، وإذا لم يتمكن من نفيه بالرؤية بانفرادها أو الاستبراء بانفراده لم يحد؛ لأنه يقول ظننته دليلا على النفي مني، والحد يدرأ بالشبهة‏.‏

فرع‏:‏

قال اللخمي‏:‏ قال ابن القاسم، و‏(‏ش‏)‏ القيام بالولد على الفور عند العلم به، فإن سكت بطل قيامه؛ لأن سكوته إقرار، وقال ابن القصار‏:‏ إذا قال‏:‏ رجوت أن يكون ربحا له الملاعنة إذا لم تجاوز ثلاثة أيام بعد الوضع، أو يظهر ما يدل على الرضا مثل‏:‏ قبول التهنئة قبل الثلاث، ويشهد لذلك حديث المصراة، وإذا لاعن للرؤية ثم ظهر حمل، قال ابن القاسم‏:‏ يكفي اللعان الأول، وقال عبد الملك‏:‏ يلاعن؛ لأن الأول لم يكن للولد ولولا ذلك لم يكن عليه أن يسأل عن الاستبراء، وهو يرجع إلى الخلاف في جواز الاقتصار على قوله في النفي زنت، فإن أكذب نفسه في اللعان الثاني لحق به ولم يحد لإسقاط اللعان الأول الحد إلا على قول عبد الوهاب‏:‏ إن أصل اللعان لنفي النسب، وسقوط الحد تبع، وفي الإكمال‏:‏ روي عن مالك لا ينفي الحمل إلا بعد الوضع، وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ يلاعن بالقذف المجرد عن رؤيا الزنا، وفي نفي الحمل لمالك قولان في ذلك‏.‏

فرع‏:‏

في الجواهر‏:‏ إنما يحتاج إلى اللعان إذا أمكن أن يكون الولد من الزوج، أما إذا لم يمكن إما لقصر المدة عن ستة أشهر، أو لطول المسافة بين الزوجين، أو لصباء الزوجين، أو لصباء الزوج، أو لا يولد له فلا يلاعن، ويلحق الولد لباقي الأنثيين إن كان يولد لمثله في العادة، بخلاف ما في الذكر إلا أن يولد لمثله عادة، والإقرار بالوطء بين الفخذين مع الإنزال يلحق الولد ولا يلاعن له، ولو وطئ أمته ثم امرأته قبل قوله واستل عنها لحق الولد ولا لعان لاحتمال أن يكون في إحليله من الأول ماء، قال الأبهري‏:‏ إذا كان الخصي والمجبوب ينزلان لاعنا، ويلاعن الشيخ الكبير والعنين في الرؤية، ونفي الحمل لوجود الإمكان‏.‏

فرع‏:‏

في الجلاب‏:‏ إذا أقر بحملها ثم ادعى رؤية الزنا‏:‏ فثلاث روايات‏:‏ يحد ويلحق به الولد، ولا يلاعن لإقراره بالحمل، وهو سبب أصل مشروعية اللعان، ويلاعن وينتفي عنه؛ لأن الإقرار قد يكون عن ظن كاذب، ويلحق به الولد لإقراره، ويلاعن لدرء الحد كما يلاعن لو رمى من لا تلد‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إذا ماتت في غيبته بعد الولادة فله نفيه بعد موتها حفظا للنسب، ويرثها‏.‏

السبب الثاني‏:‏ التشفي بانفراده، وإن لم يكن بها حمل إذا تيقن الزنا، وفي الجواهر‏:‏ يباح له عند ذلك، ولا يجوز اعتماده على العزل‏.‏

السبب الثالث‏:‏ في الجواهر‏:‏ دفع العقوبة عن نفسه ‏(‏سواء كانت حدا أو تعزيرا‏)‏‏.‏

البحث الثاني‏:‏ في القذف الموجب للعان، والأصل في القذف‏:‏ التحريم، وإيجاب الحد كما هو في الأجنبي، وإنما أبيح للزوج لضرورة حفظ النسب وشفاء الصدور، ولما خرج من حيز التحريم لم يناسب العقوبة بالجلد مطلقا بل عند عدم ظهور الغرض الصحيح، وجعل له مخلص بالأيمان المباحة لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين‏)‏ ‏(‏النور‏:‏ 6‏)‏‏.‏

تفريع، في الكتاب‏:‏ يجب اللعان باثنين متفق عليهما‏:‏ رؤية الزنا كالمرود في المكحلة، ونفي حمل يدعى قبله الاستبراء، أو واحد مختلف فيه، وهو‏:‏ قذفها من غير دعوى رؤية ولا نفي حمل، قال ابن القاسم‏:‏ أكثر الروايات على أنه يحد ولا يلاعن؛ لأن الأيمان إنما تنزلت منزلة البينة في درء الحد عنه، وتوجهه عليها‏.‏

والسند لا بد أن يصف ولا يقتصر على مجرد القذف، ولابن القاسم قولان، قال ابن يونس‏:‏ يكفي في دعوى الاستبراء حيضة لحصول براءة الرحم بها، قاله مالك وأصحابه إلا عبد الملك اشترط ثلاثا، ورواه عن مالك، وقيل‏:‏ لا يحتاج إلى صفة الرؤية؛ لأن الآية لم تشترطها، والفرق أنه محتاج لحفظ نسبه، ولا حاجة للشهود فغلظ عليهم طلبا للستر، وفي الكتاب‏:‏ إذا ولدت ميتا أو مات بعد الولادة ولم يعلم به لغيبة أو غيرها فنفاه‏:‏ لاعن؛ لأنه قاذف، وإذا زنت فحدت ثم قال رأيتها تزني ولم يقذفها بالزنا الأول التعن للتشفي أو لنفي الحمل، فإن أكذب نفسه لم يحد؛ لأنه قاذف زانية، وفي الجواهر‏:‏ لو لاعنها فأبانها ثم قذفها بتلك الزنية فلا حد، ولا لعان لاستيفاء موجبه قبل ذلك، وقال ربيعة‏:‏ يحد، وإن قذفها بزنية أخرى فإن كانت لم تلاعن وحدت لم يجب الحد؛ لسقوط حصانتها بتلك الزنية بموجب لعانه، وإن لاعنت وجب الحد، وإن قذفها أجنبي فأولى بالحد؛ لأن أثر لعان الزوج لا يتعدى لغيره‏.‏

قاعدة‏:‏ الحصانة لا تعود بالعدالة؛ لأن الله تعالى إنما أوجب الحد في المحصنات، فمن ثبتت جنايته بالزنا ذهبت حصانته، وهذا مقام تزلزل فيه الفكر، وتضطرب العبر، وكيف يصير المقذوف من أهل الولاية والعدالة وجانبه مهضوم، والزنية الثانية التي رماه بها أو رمى المرأة لم يقم عليها مصدق للرامي، وأي فرق بين هذه الأذية هاهنا وبين أذية من لم يتقدم له زنا، وهما مولمان مؤذيان للرمي أذية ظاهرها الكذب، أما إذا رمي بالفرية الأولى فهو صادق فلا يلحق بمحل الإجماع بالحد بل في التعزير، والجواب عن الأول‏:‏ يتخرج على قاعدة وهي‏:‏ أن الله تعالى إذا نصب سببا لحكمة اختلف العلماء هل يجوز ترتيب الحكم على تلك الحكمة حيث، وجدت؛ لأنها الأصل في اعتبار ذلك السبب أو لا يجوز‏؟‏ لأن الله تعالى لم ينصبها، وهو الصحيح عندهم، كما نصب السرقة سببا للقطع لحكمة حفظ الأموال فمن أخذ مالا بغير السرقة لا يجوز قطعه، ونصب الزنا سببا للرجم لحكمة حفظ الأنساب فمن سعى في لبسها بغير الزنا لا يجوز رجمه، وكذلك هاهنا شرع القذف سببا للحد لحكمة حفظ الأعراض وصونا للقلوب عن الأذيات، لكن اشترط فيه الإحصان من جملة عدم مباشرة الزنا، فمن باشر فقد انتفى في حقه عدم المباشرة، فإن النقيضين لا يصدقان، والعدالة بعد ذلك لا تنافى كونه باشر، فإن لاحظنا الحكمة دون السبب كان ذلك لحسن إيجاب الحد، فإن اقتصرنا على خصوص السبب لا يوجب الحد، ويؤكد ذلك أن الحدود تعبدية من جهة مقاديرها، وإن كانت معقولة الحكمة من جهة أصولها، والتعبد لا يجوز التصرف فيه، فظهر أنه لا يلزم من الاستواء في الأذية الاستواء في الحد‏.‏

فرع‏:‏

في الجواهر‏:‏ إن قذفها أجنبية ثم تزوجها وقذف فلاعن، اندفع الحد الثاني، واستوفى الأول؛ لأن اللعان لا يدفع قذفا قبل الزوجية‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا قذفها وقد كانت غصبت التعن، وقال غيره‏:‏ إن قذفها بغير الغصب تلاعنا جميعا، وإن غصبت واستمرت حاملا لا ينتفي إلا بلعان، ولا تلتعن هي؛ لأنها تقول‏:‏ إن لم يكن منك فمن الغاصب، قال ابن يونس‏:‏ قال محمد‏:‏ هذا إن علم الغصب برؤيتها متعلقة تدمي أو غاب عليها، وإن انفردت دعواها فلا بد من اللعان‏.‏

قال مالك‏:‏ وتقول أشهد بالله ما زنيت، ولقد غلبت على نفسي، قال محمد‏:‏ وتقول في الخامسة‏:‏ أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين، ولا يسقط الحد عنها موافقة الزوج لها على الغصب، وإن كان الحمل؛ لأنه حق لله، قال صاحب النكت‏:‏ تصديق الزوج على الغصب لا ينفي الولد منه باللعان بخلاف تصديقه على الزنا عند ابن القاسم لانتفاء التهمة بتزوجه الحد عليها فصدقت على قطع النسب، ولو رجعت عن إقرارها قبل الحد ‏(‏استوى المسألتان‏)‏، وتقبل دعوى الغصب من ذات الزوج من غير حد فيما ظهر من حمل لقدرتها على الإلحاق بالزوج، بخلاف الغرية إلا أن تصح وتفضح نفسها‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن يونس‏:‏ إذا أنكر حمل امرأته قبل البناء ثم مات، لحقه لعدم لعانه، ولها الصداق؛ لأن الموت يكمله ولا يلاعن؛ لأن سبب لعانها لعانه ولم يوجد، وترث‏.‏

في الكتاب‏:‏ القائل‏:‏ وجدتها معه في لحاف، أو تجردت له، أو ضاجعته، لم يلتعن، ويؤدب إن لم تكن له بينة حتى يصف الوطء ولم يجعل هذا تعريضا بالقذف كما في الأجنبي؛ لعذر الزوجية، وقال‏:‏ ابن الملاعنة أو أمه يوجب الحد لقبول اللعان للاستلحاق، ولو قذفها زوجها بعد اللعان حد، قاله ربيعة، قال ابن يونس‏:‏ قيل‏:‏ يحد بذكر المضاجعة كما لو قاله لأجنبي، ولو طالبته بذلك فقال‏:‏ رأيتها تزني فله الملاعنة، قال ابن القاسم‏:‏ ولو قذفها أجنبي بعد لعان الزوج، أخر حتى يلتعن فيحد أولا ‏(‏وإلا فلا‏)‏ لثبوت زناها، وقال أشهب‏:‏ لا يؤخره، ولو قذفها قبل تمام لعان الزوج لم يؤخر، وإن أخر لا يسقط الحد إذا التعنت، وخالف محمد ربيعة في حد الزوج لقذفه بعد اللعان؛ لأنه إنما لاعن لقذفه، قال سحنون‏:‏ وإذا قذفها بمعين فحد له سقط اللعان، وحق الزوجة، كقاذف رجلين يحد لأحدهما، وإن طولب باللعان فنكل فتحد سقط حد الرجل، وفي الكتاب‏:‏ القائل رأيتها تزني بفلان فيلاعن فتحد لفلان لبقاء حقه، والمنكر للون ولده لا يلاعن لما في مسلم ‏(‏أنه - عليه السلام - أتاه أعرابي فقال‏:‏ يا رسول الله إن امرأتي ولدت غلاما أسود، وإني أنكرته فقال له عليه السلام‏:‏ هل لك من إبل‏؟‏ قال‏:‏ نعم، قال‏:‏ ما لونها‏؟‏ قال‏:‏ حمر، قال‏:‏ هل فيها من أوراق‏؟‏ قال‏:‏ نعم، قال عليه السلام‏:‏ فأنى هو‏؟‏ فقال‏:‏ لعله يا رسول الله يكون نزعه عرق له، فقال له عليه السلام‏:‏ وهذا لعله يكون نزعه عرق له،، زاد البخاري‏:‏ ولم يرخص له في الانتفاء منه‏)‏، وإذا لم يرفع القذف إلى الإمام فلا شيء فيه، قال اللخمي‏:‏ إذا قال‏:‏ أقرت عندي بالزنا حد ولم يلاعن؛ لجواز حمل الإقرار على قبل الزوجية، والأصل في القذف‏:‏ الحد، واللعان‏.‏

فرع‏:‏

وإذا قال‏:‏ لم أجدك عذراء لا يحد ولا يلاعن؛ لأن العذرة تذهب بالوثبة، والحيض، والتغييس‏.‏

فرع‏:‏

في الجواهر‏:‏ قال القاضي أبو بكر‏:‏ لا يمنع إقامة البينة على القذف من اللعان، وقوله تعالى‏:‏ ‏(‏ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم‏)‏ خرج مخرج الغالب فسقط مفهومه إجماعا، ‏(‏وبه قال ‏(‏ش‏)‏ خلافا ل ‏(‏ح‏)‏، وفي الكتاب‏:‏ إذا شهد عليهما أربعة أحدهما زوجها لاعن الزوج، وحد‏)‏ الثلاثة لرد شهادته بالتهمة، قال ابن يونس‏:‏ قال مالك‏:‏ فإن رجمها الإمام ثم علم بذلك لم يحد الثلاثة للقضاء بشهادتهم، ويلاعن الزوج؛ لأنه قذف، فإن نكل حد ثم لا قصاص على الإمام للخلاف فيه كشهادة العبد، وقال ابن أبي زمنين‏:‏ إذا علم ذلك قبل الرجم فعرض اللعان على الزوج، فإن فعل قيل‏:‏ لها التعني، فإن فعلت حد الثلاثة، وإلا حدت دونهم؛ لأنه حق عليها ما شهدوا به‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ ويكفي نسبتها لوطء حرام في القبل والدبر، فإن قذفها بأجنبي، وذكره في اللعان ليس على الإمام إعلامه؛ لأنه يبلغه ذلك غالبا، وروي ذلك عليه لقوله - عليه السلام - في مسلم‏:‏ ‏(‏واغد يا أنيس على مرأة هذا فإن اعترفت فارجمها‏)‏ وليس الستر الإعلام، فإن الحدود يؤمر بالستر فيها، فإن قام المقذوف بالحدود وحد له، قال سحنون‏:‏ يسقط اللعان لتداخل حدود القذف، فإن لم يعين لم يحد لعدم أذية غير المعين‏.‏

فلو قذف امرأتين بكلمة واحدة فقامت إحداهما، فقال‏:‏ كذبت عليك فجلد ثم قامت الأخرى، فلا حد لتداخل الحدود فلو قال بعد الحد‏:‏ ‏(‏كذبت عليكما أو للتي قامت أخيرا‏:‏ صدقت عليك حد؛ لأنه يصدق بعد الحد، ولو قال للتي حد لها‏:‏‏)‏ صدقت عليك حد عند ابن القاسم لها ثانيا خلافا لابن المواز‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إذا ادعت القذف فأنكر فأثبتته حد إلا أن يدعي رؤية فيلتعن، ويقبل منه بعد جحوده بخلاف الأجنبي؛ لأنه مأمور بالستر، ولو أنشأ قذفا آخر فله اللعان، ولو أقامت بينة على إقراره بذلك لاعن منه وهو منكر لحق به وحد، قال محمد‏:‏ إلا أن يكون اللعان عن الرؤية مع نفي الحمل فلا حد لبقاء لعان الرؤية‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ قال ابن محرز‏:‏ إذا لاعن الكتابية بنفي الحمل، ثم استلحق الولد، ثم طلب الولد الحد لقطع نسبه لم يحد الأب؛ لأن المقصود بالقذف أمه دونه، وهو كمن عرض بقذف ولده لا يحد لبعده من التهمة في ولده، فلا يؤاخذ إلا بغير المحتمل كقتله‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ ولو امتنع من اللعان فعرض للحد فله الإلتعان حينئذ، وهل ذلك للمرأة أم لا، قال بالأول أبو بكر بن عبد الرحمن قياسا على النكول في الزنا، وبالثاني قال أبو عمران، والفرق تعلق حق الزوج بالنكول في اللعان بخلاف الزنا‏.‏

فرع‏:‏

‏(‏قال‏:‏ إذا قال‏:‏ زنيت وأنت صغيرة، أو أمة، أو نصرانية حد عند ابن القاسم، فإن أقام بينة ورآه تعريضا‏:‏ قال أشهب‏:‏ لا يحد في غير المشاتمة، ويحد في المشاتمة إلا أن تقوم بينة‏)‏‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إذا مات الولد فله اللعان، وإن لم يكن للوالد ولد حسي، ولو نفاه فلما مات استلحقه، قيل‏:‏ إن كان للميت ولد وإلا فلا؛ لتهمة الميراث‏.‏ البحث الثالث‏:‏ في الملاعن‏.‏

وفي الجواهر‏:‏ له شرطان‏:‏ أهلية اليمين إلا الكافر، وقاله ‏(‏ش‏)‏ غير أن الذمية تلاعن لدفع العار عنها، وينقطع النكاح بلعانها، فإن أبت فهما على الزوجية، وترد إلى أهل دينها بعد العقوبة لأجل خيانة زوجها‏.‏

الشرط الثاني‏:‏ الزوجية، وقاله ‏(‏ش‏)‏ فكل نكاح يلحق فيه الولد إن فسخ؛ لاندراجه في الآية، فيخرج الأجنبي، ويندرج المطلق الرجعي؛ لأنه زوج، فإن قذفها ثم أبانها لاعن لدفع النسب، أو لدفع الحد لتقدم اللعان حين الزوجية، وإن قذف بعد البينونة لاعن للحمل فقط، ويحد لغيره؛ لأنه ليس زوجا، وإن قذفها في عدتها من الطلاق البائن بالرؤية لاعن وإن لم يكن بها حمل؛ لأنها من آثار الزوجية، وقال محمد‏:‏ يحد لعدم الزوجية، وإن قذفها في النكاح فزنى قبل النكاح لم يلاعن ويحد؛ لانتفاء ضرر الزوجية حين الفاحشة خلافا لـ ‏(‏ح‏)‏‏.‏

تفريع‏:‏

في الكتاب‏:‏ يلاعن الأعمى في الحمل يدعي الاستبراء، وفي القذف؛ لأنه قد يعلم الزنا باللمس، والآخر بالإشارة وبالكناية، وقاله ‏(‏ش‏)‏ خلافا لـ ‏(‏ح‏)‏ لحصول فهم المقصود، وإذا رأى الزوج الحمل ظاهرا فسكت حتى وضعته، أو قامت بينة أنه رآه يوما أو يومين لم ينكره أو أقر به ثم نفاه، لم ينفعه النفي ويحد للمسلمة دون الأمة، والقائل‏:‏ رأيتها تزني اليوم ولم أجامعها بعد ذلك، ووطئتها قبل الرؤية ولم استبرئ يلاعن، ولا يلحق به ما تأتي به إلا أن تأتي لأقل من ستة أشهر من يوم الرؤية‏.‏

ولمالك أيضا‏:‏ لا يلحق به، وقال أيضا‏:‏ ينفيه، وإن كانت حاملا؛ لأن مثلها لا يؤمن، قال ابن القاسم‏:‏ وأحب إلي أن يلحقه الحمل الظاهر يوم الرؤية‏.‏

لأن الأصل عدم الزنا قبل ذلك، وقال المخزومي‏:‏ إن أقر بالحمل وادعى رؤية لاعن، وإن أتى لأقل من ستة أشهر من يوم الرؤية لحق، وإلا فلا، إلا أن يستلحقه بعد ذلك، وإن قذفها فبانت وتزوجت فقامت بالقذف تلاعنا لتقدم حال الزوجية، ويحد الممتنع منهما، ومن لم تعلم خلوته بامرأته، وأنكر ولدها ومسيسها، وادعتهما هي وهما ممكنان لا ينتفيان إلا بلعان طلق أم لا؛ لأن الولد للفراش مع الإمكان، وإذا لاعن فليس لها إلا نصف الصداق، ولا سكنى لها، ولا متعة، قال ابن يونس‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ فإن اختلفا في تاريخ العقد حتى يكون الولد لأقل من ستة أشهر على رأي الزوج فلا بد من اللعان لتساوي التداعي‏.‏

قال اللخمي‏:‏ ويقول في اللعان‏:‏ أشهد بالله إنه لمن الصادقين، وما تزوجتها إلا من خمسة أشهر، وتقول هي‏:‏ أشهد بالله إنه لمن الكاذبين، وما تزوجني إلا من سبعة أشهر، وأنه منه‏.‏

فرع‏:‏

قال صاحب الإكمال‏:‏ إذا وجد مع امرأته رجلا فقتله، قال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ يقتل به إلا أن يأتي بأربعة شهداء، واكتفى أحمد بشاهدين، وقال ابن القاسم‏:‏ يهدر دمه كان محصنا أم لا إلحاقا له بالمحارب، وتستحب الدية في غير المحصن‏.‏

فرع‏:‏

في الجلاب‏:‏ إذا رماها بالزنا، فأقرت به ثم أتت بحمل، فروي‏:‏ ينتفي بغير لعان لاعترافها، وروي‏:‏ لا ينتفي إلا باللعان لحق الولد‏.‏

البحث الرابع‏:‏ في الملاعنة، وفي الكتاب‏:‏ اللعان بين كل زوجين كانا حرين، أو مملوكين أو أحدهما، أو محدودين، أو كتابية تحت مسلم، بخلاف الكافر لعموم الآية، وعدم اندراج الكافر لبطلان عقدهما، ولعدم توجه الحد عليهما في القذف، وأما الأمة والكتابية فلا يلاعن الزوج فيهما إلا لنفي الحمل إذا ادعى الاستبراء ورؤية لم يتبين بعدها، ولا يلاعن لرؤية؛ لأنه لا يحد قاذفها، فإن أحب ذلك لتحققه عليهما لم يمنع، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ إذا كان أحد الزوجين مملوكا أو ذميا أو محدودا في قذف، أو كانت المرأة ممن لا يحد قاذفها فلا لعان بينهما؛ لأن اللعان شهادات لا تكون إلا لمن له أهلية الشهادات، وجوابه‏:‏ أنه لو كان شهادات لما قبل من المدعي ولما شرع فيه اللعان والغصب، بل الحق أنه فيه شائبة الشهادة، قال ابن يونس‏:‏ قال سحنون‏:‏ في حر تحته أمة فابتاعها ثم ظهر بها حمل إن وضعت لأقل من ستة أشهر من يوم الشراء، أو قد أصابها بعد الشراء لاعنها؛ لأنه زوج، أو لستة أشهر فأكثر بعد الشراء والوطء لحق به لاحتماله من مسيس الملك، وإن لم يمسها بعد الشراء ووضعته لما يشبه أن يكون من وطئه لما كان زوجا بخمس سنين فأدنى فاللعان بينهما، وفي الجواهر‏:‏ إذا اشترى أمة وظهر بها حمل، فإن علمه يوم الشراء أو أتت به لأقل من ستة أشهر، فالولد للنكاح ما لم يطأها بعد الشراء ‏(‏وتأتي به لأكثر من ستة أشهر، وروى سحنون‏:‏ إذا لم يطأها بعد الشراء‏)‏ بحيضتين فهو للواطئ بعد الشراء ولا ينفيه، استبرأها بعد الوطء أم لا، إلا أن يدعي استبراءها بعد الوطء، قال اللخمي‏:‏ وإذا كانت مسلمة والزوج نصرانيا إما لأنها أسلمت قبله، أو تعدت في تزويجه على القول بأنها لا تكون بتزويجه زانية لاعن بقذفها، فإن نكل حد، وإن لاعن ونكلت لم تحد بأيمانه؛ لأنها أقيمت مقام الشهادة، وفي الكتاب‏:‏ يلاعن من لا يدري لصغر أو كبر إن كانت الصغيرة قد جومعت، وإن لم تحض، وتلتعن الكبيرة دون الصغيرة لعدم أهلية اليمين، وعدم توجه الحد عليها وتبقى زوجة‏.‏

قال صاحب النكت‏:‏ إذا لاعن النصرانية فامتنعت فلها النفقة حتى تلد، وإن امتنع وطئها لكون الولد من غيره؛ لأنها زوجة، ويجوز الاستمتاع بها كما يستمتع بالحائض على الخلاف في المستبرأة حاملا، وتلاعن النصرانية دون الصغيرة، وكلاهما لا يتعلق بنكوله حد، والفرق أنها قد تتوجه عليها عند أهل دينها عقوبة‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن يونس‏:‏ إذا توافق الكتابيون بحكمنا في اللعان فنكلت الزوجة رجمت على رأي عيسى بن دينار، ولا ترجم على رأي البغداديين لفساد أنكحتهم، ويجب الحد كالمتلاعنين قبل البناء‏.‏

فرع‏:‏

في الجلاب‏:‏ إذا أتت المنكوحة في العدة بولد لأقل من ستة أشهر من النكاح الثاني، أو لستة أشهر وقبل حيضة لحق بالأول؛ لعدم الحيض الدال على البراءة أو بعد ستة أشهر وحيضة لحق بالثاني؛ لوجود الأجل الصالح والدال على البراءة، إلا أن ينفيه باللعان ‏(‏بيلحق بالأول إلا أن ينفيه باللعان‏)‏ فينتفي فيهما جميعا، وإن استلحقه أحدهما لحق به، وقال محمد‏:‏ والمراد دخول الثاني دون عقده، وإن ‏(‏كانت المرأة تصير فراشا بالعقد لقوة فراش الأول وضعف الثاني‏)‏ وإن استلحقاه معا كان للثاني، ولا تلاعن إلا مع الثاني إذا نفاه إلى الفراش الأول، قال ابن يونس‏:‏ قال أصبغ‏:‏ من استلحقه منهما حد ولحق به، وقال محمد‏:‏ إن استلحقه الثاني دون الأول لحقه وحد؛ لأنه نفاه إلى غير أب، ومن استلحقه أولا لحق به، ولا دعوى للثاني فيه ‏(‏ولو ادعاه الأول بعد لعانه، وقبل لعان الثاني، لم يقبل منه؛ لأنه للثاني حتى ينفيه‏)‏ ولو استلحقاه بعد لعانهما اختص بالأول، ويحرم على الثاني أبدا، وإن لم يلتعن؛ لأنه ناكح في العدة، ولا تحرم على الأول وإن التعن؛ لأنها لم تلاعنه كالمغتصبة، وقال أصبغ‏:‏ وإذا تلاعنا جميعا حرمت عليهما لبطلان النسبة للثاني بلعانه، ولو عقد عليها حاملا فأتى للستة أشهر فأكثر فهو للآخر إلا أن ينفيه بلعانه، ولا تلتعن هي، ولحق بالأول إلا أن ينفيه وتلتعن فيلتعن، فإن نكلت حدت‏.‏

تنبيه‏:‏ مراد العلماء بعدم لحوق الولد لأقل من ستة أشهر‏:‏ ‏(‏إذا كان تاما أما لو وضعته ناقصا لأجل ذلك النقص لحق به لأقل من ستة أشهر‏)‏‏.‏

قاعدة‏:‏ الولد يتحرك لمثل ما يخلق فيه، ويوضع لمثل ما تحرك فيه، وهو يتخلق في العادة تارة لشهر، وتارة لشهر وخمسة أيام، وتارة لشهر ونصف، فيتحرك في الأول‏:‏ لشهرين، ويوضع لستة أشهر، ‏(‏وفي الثاني‏:‏ شهرين وثلث، ويوضع لسبعة أشهر‏)‏، والثالث‏:‏ لثلاثة أشهر، ويوضع لتسعة أشهر ‏(‏من عجز أو تأخر عن الأولين لآفة مؤخرة‏)‏ فلذلك لا يعيش ولد الثمانية أشهر لكونه إما متقدما على التسعة لآفة من عجز أو تأخر عن الأولين لآفة مؤخرة، والموصوف لا يعيش فلا يعيش فلهذه القوانين يعتبر النقص مع الآجال فكل حمل قبل أجله يمتنع لحوقه أو مع أجله لحق‏.‏

فائدة‏:‏ فعلى هذا التقدير يكون قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏يجمع خلق أحدكم في بطن أمه أربعين يوما،وأربعين صباحا‏)‏ إشارة إلى الأطوار الثلاثة تقريبا، فإن الأربعين تقرب من الثلاثين ومن الخمسة والثلاثين‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ لا تلاعن الحائض والنفساء إذا قذفت حتى تطهر، حتى تقع العدة في طهر كالطلاق، وكذلك لا يطلق على المعسر بالنفقة والعنين حتى تطهر بخلاف المولي، وروى أشهب‏:‏ التسوية، قال ابن يونس‏:‏ قال أبو محمد‏:‏ يلاعن الزوج وتؤخر هي‏.‏

فرع‏:‏

في الجلاب‏:‏ إذا أقر بوطء أمته لحق به ولدها لقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏الولد للفراش، وللعاهر الحجر؛‏)‏، ولقول عمر رضي الله عنه‏:‏ ما بال رجال يطأون ولائدهم ثم يدعونهن يخرجن، لا تأتني وليدة يعترف سيدها بوطئها إلا لحق به ولدها، قال اللخمي‏:‏ ولا يختلف المذهب في قبول قوله كانت من العلي أم لا، قال‏:‏ وأرى أن يختلف في العلي، وفي الجواهر‏:‏ إذا أقر بوطئها لا ينتفي ولدها حتى يدعي الاستبراء بغير يمين؛ لأن الاستبراء في الإماء كاللعان في الحرائر، وقيل‏:‏ لا بد من اليمين؛ لأنه عوض اللعان، ولو أنكر ولادتها لم يلحق به، ‏(‏إلا أن تشهد امرأتان ثقتان بولادته لاحتمال التقاطه توسلا للعتق، ويقبل قول الحرة في الولادة‏)‏ لعدم التهمة إذا وطئ البائع والمشتري في طهر واحد، وأشبه أن يكون الولد منهما لحق بمن الحقته به القافة لما في مسلم، قالت عائشة رضي الله عنها‏:‏ دخل علي‏.‏

رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم مسرورا فقال‏:‏ يا عائشة ألم تري إلى مجزز المدلجي دخل فرأى أسامة وزيدا وعليهما قطيفة قد غطيا رءوسهما وبدت أقدامهما، فقال إن هذه الأقدام بعضها من بعض‏)‏، قال أبو داود‏:‏ وكان أسامة شديد السواد، وأبوه شديد البياض وطعنت الجاهلية عليه بذلك فسر - عليه السلام - بترك الطعن عند ذلك، وهو - عليه السلام - لا يسر إلا بسبب حق، وبالقافة قال ‏(‏ش‏)‏ خلافا لـ ‏(‏ح‏)‏، ونفاه مالك في المشهور من الحرائر دون الإماء، قال الأبهري‏:‏ وروي عنه التسوية، ويكفي واحد عند ابن القاسم؛ لأنه من باب الخبر، وقيل‏:‏ لا بد من اثنين؛ لأنه من باب الشهادة، والفرق بين الحرائر والإماء أن فراش الأول صحيح بالعقد، والثاني فاسد فاعتبر العقد الأول دون العقد الثاني، وألحق به تارة، ولا مرجح في وطء السيدين‏.‏

نظائر‏:‏ قال العبدي‏:‏ المتردد بين الشهادة والخبر سبع‏:‏ القائف، والترجمان، وقيل‏:‏ يكفي الواحد، وقيل‏:‏ لا بد من اثنين، وأما الكاشف عن البينات، وقائس الخراج، والناظر في العيوب، كالطبيب والبيطار فواحد، قال ابن حبيب‏:‏ ولو كان البيطار فاسقا، وكذلك المستنكة للسكران إذا أمره الحاكم، واختلف في الحكمين فقيل‏:‏ اثنان، وقيل‏:‏ واحد، ولا بد في تقويم السلع والعيوب من اثنين‏.‏

تمهيد‏:‏ الحكم بتردد بين الخبر والشهادة، فرع تصورهما، ولا يمكن تميزهما باشتراط العدد في الشهادة، وقبول العبد والمرأة في الخبر؛ لأن ذلك فرع تميزهما فيلزم الدور فهذا مقام عزيز يحتاج الفقيه المحصل إلى كشفه، وهو عزيز في صدور الأئمة النبلاء، ومعدوم عند أكثر الفقهاء‏.‏

واعلم أن الشهادة أيضا خبر، والرواية أيضا خبر، والفرق بينهما من جهة المخبر والمخبر عنه، قال المازري في شرح البرهان‏:‏ فمتى كان المخبر عنه حكما عاما في الأزمان والأشخاص بهذه الرواية، فيتعين قبول الواحد العدل لعدم اتهامه بقصد أذية الخلق لترتيب الحكم عليهم إلى أن تقوم الساعة، ومتى كان خاصا فيهما فهو الشهادة، كالإخبار عن ثبوت درهم عند زيد، فيشترط فيه العدد للتهمة، ويرد الصداق والمرأة لتضرر المعين بالنقيصة مع الاختصاص، فمتى اجتمع العموم والخصوص اختلف العلماء لتردد الحكم بينهما، كالخبر عن رؤية هلال رمضان عام في أهل البلاد، خاص في الأزمان، فجرى الخلاف فيه لذلك، والقائف والترجمان إن لاحظنا فيهما نصيبهما للخلق على العموم من غير اختصاص بمعين، ولا هما تابعان لادعاء خصم بل الحاكم هو المصرف لهما كانا من باب المخبرين دون الشهود، وإن لاحظنا استئناف أخبارهما عند كل، واقعة معينة كانا من باب الشهود فقد اجتمع فيهما العموم من وجه والخصوص من وجه، وكذلك من ذكر معهما، وكذلك اختلف العلماء في التزكية هل يكفي فيه واحد أم لا إن لاحظنا أن المزكي يحصل مصلحة واحدة لشخص خاص كان شاهدا، أو أنه يوجب قبول المزكي على الخلق كافة مع الأزمان كان مخبرا، ومنهم من جعله من باب الشهادة أن زكى شاهدا ملاحظة لخصوص الشهادة، ومن باب الخبر‏:‏ أن يزكي راويا نظرا للعموم، ومن العلماء من قال‏:‏ التردد واقع بين الحكم والشهادة لا بين الشهادة والخبر، والحكم هو الخبر الملزم، والشهادة الخبر عن أمر خاص، والرواية خبر عن أمر عام كما تقدم، وهو يظهر في بعض هذه الفروع أكثر من قولنا فإنك إذا اعتبرت القائف، والترجمان، والمقوم، والطبيب، والبيطار، وجدت أقوالهم ملزمة فتندرج في حقيقة الحكم، والحاكم واحد إجماعا، فيظهر التخريج عليه أكثر من الرواية لوجود الإلزام، وإذا اعتبرت المزكي والإخبار عن رؤية الهلال ونحوهما تجده عريا عن الإلزام فيتعذر تخريجه على التردد بين الحكم والشهادة، ويتعين مقال الأصحاب‏.‏

البحث الخامس‏:‏ في صفات اللعان، والنظر في‏:‏ لفظه، وتغليظه، وسنته‏.‏

فلفظه في الجواهر‏:‏ يتعين لفظ الشهادة، ولا يبدل بالحلف، ولا لفظ الغضب باللعن اتباعا للآية، ويجب تأخير اللعن، وتقوم مقام اللفظ الإشارة، والكتابة من الأخرس، ولو قال بعد انطلاق لسانه‏:‏ لم أرد ذلك لم يقبل منه، ولو اعتقد لسان الناطق وهو مرجو البرء انتظر‏.‏

التغليظ بالزمان، في الجواهر‏:‏ يلتعنان دبر الصلوات، وقال في كتاب محمد‏:‏ أي ساعة يرى الإمام، وإثر المكتوبة أحب إلي، وروي عن ابن وهب‏:‏ كان اللعان عندنا بعد العصر ولم يكن سنة بل أي ساعة شاء الإمام، وبعد العصر أحب إلي، وقال عبد الملك‏:‏ لا يكون مقطع حق إلا بإثر صلاة فجعله شرطا كالمكان‏.‏

وأما المكان ففي الكتاب‏:‏ يلتعن المسلم في المسجد عند الإمام دبر الصلاة، والنصرانية في كنيستها حيث تعظم وتحلف بالله، والزوج مخير في الحضور معها، ولا تدخل هي معه في المسجد لجنابتها، وفي الجواهر‏:‏ يبعث الإمام للمريض عدولا، ولا يصح اللعان إلا في مجلس الحاكم، والتغليظ بالمكان واجب، وبالزمان مستحب، وظاهر قول مالك‏:‏ الوجوب‏.‏

وأما الجمع‏:‏ ففي الجواهر‏:‏ يحضر أربعة فأكثر لقوله تعالى في الزنا‏:‏ ‏(‏وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين‏)‏ ‏(‏النور‏:‏ 2‏)‏‏.‏

فيحضرون هاهنا بجامع التغليظ، ولأن قطع الأنساب وفساد الأعراض أمر عظيم فيغلظ في سببه‏.‏

وأما سنته فتخويفهما، في الجواهر‏:‏ يقال للرجل تب إلى الله عز وجل تحد ويسقط عنك المأثم، وللمرأة نحو ذلك، ولكل واحد منهما قبل الخامسة‏:‏ اتق الله فعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، وإن هذه هي الموجبة للعذاب لقوله - عليه السلام - في مسلم عند الخامسة‏:‏ ‏(‏أقيموها‏.‏ فقال للمرأة إنها الموجبة‏)‏‏.‏

وفي الاستذكار ليس للزوج إيقاع اللعان بنفسه دون السلطان إجماعا‏.‏

تفريع، في الكتاب‏:‏ يبدأ بالزوج؛ لأن لعانه سبب عن قذفه، فيدرأ عن نفسه الحد، وسبب للعانها؛ لأنه الموجب للحد عليها لكونه مثل البينة، ولقوله تعالى بعد ذكر لعانه‏:‏ ‏(‏ويدرأ عنها العذاب‏)‏ ‏(‏النور‏:‏ 8‏)‏ ‏(‏فدل على توجه العذاب عليها‏)‏، وهو الحد، فتشهد أربع شهادات، فيقول في الرؤية‏:‏ أشهد بالله لرأيتها تزني، وفي نفي الحمل أشهد بالله لزنت؛ لأن القاعدة مطابقة البينة واليمين للدعوى، وفي الخامسة‏:‏ أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، وتقول المرأة في الرؤية‏:‏ أشهد بالله ما رآني أزني؛ لأنها مكذبة له فتعين دعواه في لفظها، وفي الحمل‏:‏ أشهد بالله ما زنيت، أربع مرات، وفي الخامسة‏:‏ أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين، قال ابن يونس‏:‏ زاد أصبغ في حلف الرؤية‏:‏ تزني كالمرود في المكحلة، وفي حلف المرأة في نفي الحمل‏:‏ وإنه لمنه، وروي عن ابن القاسم في نفي الحمل‏:‏ أشهد بالله إني لمن الصادقين ما هذا الحمل مني ولزنت؛ لنفي احتمال الغصب، قال أصبغ‏:‏ وإن بدل مكان‏:‏ إن كنت من الكاذبين‏:‏ إن كنت كذبتها، أجزأ، والمرأة في الخامسة‏:‏ مكان إن كان من الصادقين‏:‏ إنه من الكاذبين، أجزأها؛ لاتحاد المعنى لكن لفظ القرآن أولى، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ يخاطبها فيقول‏:‏ فيما رميتك به، وتقول هي‏:‏ فيما رميتني به‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن القاسم‏:‏ إذا بدأت المرأة لا يعاد اللعان؛ لأن دلالة الأيمان على الصدق لا تختلف، وقال أشهب‏:‏ يعاد حتى يكون بعد سببه الذي هو لعان الزوج، وتقدم الحكم على سببه يبطله‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ يوجب النكول حد القذف عليه، والرجم عليها إن كانت ثيبا، ولا تؤخر إلا في الحمل لحق الولد، وقاله ‏(‏ش‏)‏، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ يحبس الناكل منهما أبدا حتى يحلف؛ لأن ضعف اللعان سبب يدرأ الحد لنا‏:‏

أن قذف الزوجة لا يوجب غير اللعان، وجوابه‏:‏ أن أصل القذف الحد حتى يخلص منه باليمين‏.‏

فرع‏:‏

إذا ماتت قبل كمال لعانها ففي الكتاب‏:‏ ورثها، وإن مات بعد التعانه، فإن امتنعت من اللعان، ورثته، ورجمت، وإلا فلا، قال ابن يونس‏:‏ قال مالك‏:‏ إذا وجب اللعان فماتت قبل لعانه لا لعان عليه، وإذا مات قبل تمام لعانه فلا لعان عليها لعدم السبب، وإذا التعنت بعد موته فلا عدة عليها لوفاته، وقال أشهب‏:‏ ترثه، وإن التعنت لتأخير البينونة بعد الموت، قال ابن القاسم‏:‏ فإن التعنت قبله ثم ماتت فعرض اللعان عليه، فإن فعل فلا ميراث، ولا حد عليه، وإلا ورثها وحد، وإن كانت التعنت لم أعد لعانها لحصول المقصود، وقال أشهب‏:‏ أعيده لتقديم يمين الطالب في الحقوق‏.‏

البحث السادس‏:‏ في ثمرته، في الكتاب‏:‏ تقع الفرقة، وإن لم يفرق بينهما الحاكم لتمام لعانهما وتحرم عليه للأبد، وإن أكذب نفسه لم يحد، ولحق به الولد إلا أن ينفي من لعان الزوجة ولو مرة، فتحد وتبقى له زوجة، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ لا يقع الفراق إلا بقضاء الحاكم، وإذا أكذب نفسه حلت له، وله تزوجها بعد اللعان، وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ يقع الفراق بلعان الزوج قياسا على سقوط الحد، والنسب عنه، وتحرم عليه أبدا لنا‏:‏ ما في أبي داود‏:‏ ‏(‏مضت السنة في المتلاعنين أن يفرق بينهما ثم لا يجتمعان أبدا‏)‏، وترتيب الحكم على الوصف يدل على سببيته له، والمسبب متأخر عن السبب ومرتب عليه، وينتفي عند انتفائه، ولو لاعن من نفي الحمل لم تحل له لاحتمال السقط والكتمان‏.‏

وفي الجواهر‏:‏ يتعلق بلعانه ثلاثة أحكام‏:‏ سقوط الحد، وانتفاء النسب، وتوجه الحد عليها، وبلعانها ثلاثة‏:‏ سقوط حدها، والفراق، وتأبيد التحريم، وقيل‏:‏ في هذين يتعلقان بلعانه، قال ابن يونس‏:‏ وفرقتهما فسخ، وقاله ‏(‏ش‏)‏، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ طلقة بائنة، لنا‏:‏ أنهما مجبوران على الفسخ، فيكون بغير طلاق كالرضاع، وقبل البناء لا صداق لها؛ لأنه فسخ، قاله ابن الجلاب، وقال مالك في الكتاب‏:‏ نصف الصداق لما للزوج فيه من السبب بالقذف، ولها من الضرورة في درء الحد‏.‏

فرع‏:‏

في الجواهر‏:‏ روي عن مالك إذا تزوج أمة ثم لاعنها، ثم اشتراها، لا تحل له أبدا، كما إذا طلقها ثلاثا ثم اشتراها لا تحل له أبدا إلا بعد زوج؛ لأن حل الوطء أصله العقد لا الملك‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إذا لاعن لانتفاء الحمل فأتت بتوأمين انتفيا، وله نفي أولاد عدة بلعان واحد، وتثبت للتوأمين أخوة للأم مع أخوة الأب؛ لأن التوأمين لا يكونان إلا من ماء واحد، وقاله ‏(‏ش‏)‏، وفي الكتاب‏:‏ إذا ولدت الثاني مع الأول أو بعده لأقل من ستة أشهر فهو حمل واحد إن أقر بأحدهما لحقا به وحد، وإلا فهما حملان، وإن أقر بالأول ونفى الثاني، وقال‏:‏ لم أطأ بعد ولادة الأول لاعن، وانتفى الثاني، وإن اعترف به، وقال‏:‏ لم أطأها‏.‏

بعد الولادة لزمه؛ لأن الولد للفراش، وإن قال النساء‏:‏ الحمل هكذا لم يحد وإلا حد ولحق به، بخلاف التي تأتي بولد لستة أشهر قبل البناء من يوم العقد فيقر به وينفي الوطء يحدُ ويلحق به، كأنه قال‏:‏ ولدت من غيري ثم أكذب نفسه باستلحاقه، وإن قدم من سفره فولدت ولدا فالتعن منه ثم ولدت بعد ستة أشهر فاللعان الأول‏:‏ ينفي كل ولد بعده، فإن ادعى الثاني حد ولحقا به، قال ابن يونس‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ إذا طلق قبل البناء متفقين على عدم المسيس ثم يظهر حمل فتقول هو منه لحقه؛ لأن اتفاقهما لا يسقط حق الولد، ولا يكمل لها صداقها لإقرارها، وقال محمد‏:‏ يكمل للحوق الولد، وإن مات قبل انقضاء العدة ورثته إذا كان الطلاق واحدة، ولا حد عليها، ولو استلحقه لحق ولم يحد وكمل الصداق وله الرجعة، وإن تمادى على إنكاره لاعن وزال عنه، ولا رجعة له، ولا يكمل الصداق، ويحد إن لم يلاعن، وإن نكل لحقه، وفي الكتاب‏:‏ إذا تصادقا على نفي الولد بغير لعان انتفى وحدت، وقال أكثر الرواة‏:‏ لا ينتفي إلا بلعان لحق الولد، قال ابن يونس‏:‏ معناه يلتعن الزوج دونها لإقرارها بالزنا، قال ابن القاسم‏:‏ وهذا إذا ثبتت على قولها، وإن رجعت قبل اللعان عاد اللعان بينهما، وإن نكل لحق به ولا يحد؛ لأنها مقرة، وفي الكتاب‏:‏ إذا لاعن لنفي الولد ثم زنت ثم أقر به لحقه ولا يحد لها؛ لأنها صارت زانية‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إذا جنى على الجنين بعد نفيه باللعان، أو قتله بالغيرة للأم ولمن يرث الجنين من عصبتها، وترثه إذا مات أمه وعصبتها، قال ابن يونس‏:‏ إذا أقر به بعد الولادة إن كان موسرا في مدة الحمل أو بعضها رجعت عليه بالنفقة مدة يساره، وإلا فلا‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا لاعن بالرؤية ولم يدع استبراء، فوضعت لأقل من ستة أشهر من الرؤية لحقه؛ لأنه لم يتعرض لنفيه، ولا ينفعه نفيه بعد ذلك، ولا يحد لتقدم لعانه، ولو قال‏:‏ كنت استبرأتها ونفاه، كان اللعان الأول‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ للملاعنة السكنى دون المتعة؛ لأنها آثرت الفراق فلا تجبر بالمتعة، ولا تنكح حتى تنقضي عدتها‏.‏

المانع الخامس‏:‏ وطء من لا يجوز الجمع بينها وبين غير الموطوءة

لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف‏)‏ ‏(‏النساء‏:‏ 23‏)‏ يعني في الجاهلية فإنه معفو عنه، وفي الموطأ قال عليه السلام‏:‏ ‏(‏لا يجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها‏)‏، وضابطه‏:‏ كل امرأتين بينهما من النسب أو الرضاع ما يمنع تناكحها لو قدر أحدهما رجلا لا يجوز الجمع بينهما في الوطء بعقد ولا ملك، وقاله الأئمة، وقد خرج بقيدي النسب والرضاع المرأة وابنة زوجها وأمه‏.‏

تفريع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا تزوج امرأتين من لا يجوز اجتماعهما فسخ الثاني بغير طلاق، ولها المسمى إن دخل، والمثل إن لم يسم، أو في عقد واحد فسخ وتزوج أيتهما شاء بعد الاستبراء، ولا يتخير بينهما لفساد العقد، قال ابن يونس‏:‏ قال أشهب في الأول‏:‏ إن بنى بها ولم تعلم ‏(‏الأولى، وادعيا ذلك حلفتا وأخذتا صداقيهما، واقتسمتا بينهما الميراث، واعتدتا عدة الوفاة مع الإحداد في الموت، قال محمد‏:‏ ومع ثلاث حيض، قال ابن يونس‏:‏ فإن كانت في العدة أجزأها، قال ابن حبيب‏:‏ فإن لم‏)‏ يبن فالميراث بينهما، ولكل واحدة نصف صداقها، وإن بنى بواحدة معلومة فلها الصداق، ونصف الميراث، وللأخرى نصف الصداق، ‏(‏ونصف الميراث، وفي العقد الواحد الميراث والصداق‏)‏ للمبني بها دون الأخرى، قال أشهب‏:‏ إذا نسيت البينة تاريخ العقدين فالزوج مصدق في تعيين الأولى، ويفارق الأخرى بغير طلاق ولا صداق، وإن لم يذكر الزوج فارقهما‏.‏

وفي الكتاب‏:‏ إذا وطئها بملك اليمين ثم تزوج أختها توقف حتى يختار أيتهما شاء‏.‏

وقال عبد الملك‏:‏ لا ينعقد النكاح لتقدم مانعه، وقال أشهب‏:‏ عقد النكاح تحريم للأمة؛ لأن العقد انعقد بالوطء من الملك فيندفع الملك للتضاد، ولو باعها بعد وطئها ثم تزوج أختها فلم يطأها حتى اشترى المبيعة، لم يطأ إلا الزوجة لورود الملك بعد المانع، وإذا وطئ إحدى الأختين بالملك لا يطأ الأخرى حتى تحرم الأولى ببيع أو غيره، ولو باعها ثم وطئ الثانية ثم اشترى المبيعة تمادى على الأولى ولو لم يطأ الثانية حتى اشترى المبيعة تخير فيهما، ولو جمعهما في الوطء قبل تحريم إحديهما خير بينهما، فإن اختار الموطوءة الثانية استبرأها من الماء الفاسد، وتحريم إحديهما بالظهار لا يكفي؛ إذ له الكفارة، وكذلك بيعها من غيره، أو ابنه الصغير‏:‏ أو يتيم في حجره لتمكنه من النزع بالاعتصار أو غيره، أو زواج فاسد، أو بيع فاسد إلا أن يفوت بخلاف بيعها بعيب فإنه ماض حتى يرد، أو إباقها، أو أسرها من الاياسر، وزاد ابن أبي زيد في المختصر‏:‏ إذا دلس بعيب في البيع لا يفسده التحريم، قال ابن يونس‏:‏ إن أخذهما سنة لا يحل أختها، أو سنين كثيرة، أو حياة المخدم حلت، وفي الكتاب‏:‏ إن تزوجها ثم اشترى أختها فوطئها كف عن الزوجة حتى يحرم الأمة، ولا يفسد النكاح، ولأنه أقعد بحل الوطء وقد تقدم، وإن زوج أم ولده ثم اشترى أختها فوطئها ثم رجعت إليه أقام على وطء الأمة لسبقه، ولو ولدت الأمة فزوجها ثم رجعت إليه تخير بينهما لتساوي أمرهما إلا أن يطأ أولاهما رجوعا، ومن أبان امرأته حلت أختها في عدتها والخامسة، وقاله ‏(‏ش‏)‏؛ لانقطاع الموارثة والعصمة، وإنما العدة حفظا للأنساب، وقال ‏(‏ح‏)‏، وابن حنبل يحرمان؛ لأن العدة من آثار النكاح، ولقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجمع ماءه في رحم أختين‏)‏، والجواب عن الأول‏:‏ أن لحوق الولد بعد أربع سنين من آثار النكاح، ولا قائل بالحرمة، وإنما المعتبر الاختصاص بالزوج حتى تحصل القطيعة بين الأقارب بالجمع، وعن الثاني‏:‏ أنه مطلق في الأزمان فيحمله على زمان الاختصاص قبل البينونة، وتحرم في عدة الرجعة اتفاق‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ فإن ادعى اعترافها بانقضاء العدة في مدة مثلها فأكذبته منع من الأخت، والخامسة؛ لأن المعول في العدة على قولها، فإن عقد فسخ إلا أن يأتي ببينة أو بما يعرف به انقضاء العدة، وفي الجواهر‏:‏ تحرم الأخت بالعتق، والكتابة، والتزويج دون الحيض، والعدة، والردة، والإحرام، وبيع فيه استبراء، أو بعهدة، أو خيار حتى ينقضي ذلك‏.‏

تمهيد‏:‏ الأختان بملك اليمين حرمهما قوله تعالى‏:‏ ‏(‏وأن تجمعوا بين الأختين‏)‏، وأحلهما قوله تعالى‏:‏ ‏(‏أو ما ملكت أيمانكم‏)‏ وليست إحداهما أخص من الأخرى حتى تقدم عليها؛ لأن الأولى تتناول المملوكتين والحرتين فهي أعم من الثانية، والثانية تتناول الأختين وغيرهما، فهي أعم من الأولى يكون كل منهما أعم وأخص من وجه فيستويان، ولذلك قال عثمان رضي الله عنه‏:‏ أحلتهما آية وحرمتهما آية، والترجيح للجماعة من ثلاثة أوجه‏:‏ أحدهما أن الأولى سيقت للتحريم، والثانية سيقت للمدح لحفظ الفروج، والقاعدة‏:‏ أن الكلام إذا سيق لمعنى لا يستدل به في غيره فلا تعارض الأولى، وثانيها‏:‏ أن الأولى لم يجمع على تخصيصها، والثانية أجمع على تخصيصها بما لا يقبل الوطء من المملوكات، وبما يقبل‏.‏

لكنه محرم، وغير المخصوص أرجح، ثالثها‏:‏ أن الأصل في الفروج التحريم، حتى يتيقن الحل فتترجح الأولى‏.‏

فرع‏:‏

قال صاحب المنتقى‏:‏ وكما يحرم الجمع في الوطء فكذلك النظر بلذة للمعصم، والصدر قياسا على ما سوى الشرع فيه بين الوطء والنظر للذة‏.‏

فرع‏:‏

قال صاحب النكت‏:‏ قال بعض شيوخنا إذا تزوج أختا على أخت عالما بالتحريم ووطئ حد، إلا أن تكونا أختين من الرضاع؛ لأنه بالسنة، وهو أصل كل محرم بالسنة‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ وإذا قالت في عدة الرجعة انحبس الدم عني حرمت الأخت والخامسة، وصدقت إلى سنة لظهور الحمل بعد ذلك فينظر إليه النساء‏.‏

المانع السادس‏:‏ حصول أربع في العصمة

ففي الجواهر‏:‏ تمتنع الزيادة على الأربع للحر والعبد؛ لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع‏)‏ ‏(‏النساء‏:‏ 3‏)‏، ومعنى مثنى عند العرب اثنين اثنين غير منحصر، ومعنى ثلاث غير منحصر‏.‏

وكذلك رباع إلى عشار جعلت هذه الصيغة عوض التكرار فيكون معنى الآية إما اثنين أو ثلاث أو أربع فظهر غلط من أباح التسع بناء على ضم الاثنين إلى ما بعدها‏.‏

تمهيد‏:‏ أباح الله تعالى الزواج في التوراة غير منحصر حفظا لمصالح الرجال دون النساء، وحرم في الإنجيل الزيادة على الواحدة حفظا لمصالح النساء دون الرجال، وجمع في هذه الشريعة المعظمة بين مصالح الفريقين، وأما مضارة المرأة بثلاث فلأن الثالثة من مستثنيات القواعد تباح من الإحداد ثلاث، ومن الهجرة ثلاث، ومن الخيار ثلاث، ومن العهدة ثلاث، وهو كثير، قال‏:‏ وروى ابن وهب‏:‏ تحرم الثالثة على العبد، وقاله ‏(‏ش‏)‏ قياسا على طلاقه وحدوده، وجوابه‏:‏ أن التشطير خاص بالعذاب للآية، وهما عذاب، وهذا تعميم فافترقا، وتحل الخامسة بطلاق إحدى الأربع طلاقا بائنا خلافا لـ ‏(‏ح‏)‏، وابن حنبل، وتقدم تقريره في تحريم الجمع دون الرجعي لبقاء العصمة، وإن عقد على خمس بطل العقد‏.‏

فرع‏:‏

قال صاحب النكت‏:‏ إذا كانت إحدى الأربع بدار الحرب فطلقها لا تحل له الخامسة إلا بعد خمس سنين من يوم خرج لاحتمال أن تكون حاملا، وتأخر حملها خمس سنين، فإن طلقها بعد خروجه بسنة انتظر أربعا أو بعدها بأكثر من ذلك فثلاث لاحتمال أن تكون عدتها بالحيض، ويفرق الحيض في ثلاث سنين فلا بد من كمال سنة لا حيض فيها أو تكمل ثلاث حيض‏.‏

المانع السابع‏:‏ استيفاء عدد الطلاق ثلاثا للحر

واثنتان للعبد؛ لتعذر تشطير طلقة لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان‏)‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 229‏)‏، أي‏:‏الطلاق الرجعي؛ لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره‏)‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 230‏)‏، وهذه ثالثة لذكرها بعد اثنتين‏.‏

والطلاق عندنا معتبر بالرجال؛ لأن تعلق الفعل بفاعله آكد من تعلقه بغيره، فطلاق العبد اثنتان، ولو كانت امرأته حرة، والحر ثلاث، وإن كانت امرأته أمة، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ معتبر بالنساء فللحرة ثلاث تطليقات كيف كان زوجها، والأمة اثنتان كيف كان زوجها لما يروي عنه عليه السلام‏:‏ ‏(‏طلاق الأمة طلقتان، وعدتها حيضتان‏)‏‏.‏

تنبيه‏:‏ لما كان مطلوب الزواج الإعفاف وتكثير النسل عاقب الله تعالى المطلق ثلاثا باحتياجه إلى وطء غيره لامرأته لصعوبة ذلك على المرأة‏.‏

فائدة‏:‏ يقال‏:‏ كل نكاح في كتاب الله تعالى فالمراد به العقد إلا هذه الآية المراد منها الوطء مع العقد‏.‏

قواعد‏:‏ حتى للغاية فيثبت بعدها نقيض ما قبلها، والمرأة لا تحل بوطء الثاني بل حتى تطلق وتعتد ويعقد الأول، فهل ترك مقتضى الآية أو هو باق‏؟‏ فنقول‏:‏ التحريم يتضاعف بسبب اجتماع الأسباب كالزنا بمحرم، وبالأم أشد، وبها في الصوم أشد، ومع الإحرام أشد، وفي الكعبة كذلك، هذه محرمة لكونها أجنبية، ومطلقة ثلاثا، والمعنى إنما هو تحريم الثلاث، وهو يرتفع بوطء الثاني، ويبقى تحريم الأجنبية، وكونها زوجة للغير فإذا طلقها ارتفع كونها زوجة للغير، وبقي كونها أجنبية فإذا عقد حلت مطلقا‏.‏

تفريع‏:‏ في الكتاب‏:‏ إذا لم يحتلم وهو يقوى على الوطء لا يحل وطؤه المرأة، ولا يحصن، ولا مهر، ولا عدة، وتحرم على آبائه، وعلى أبنائه؛ لأن الخروج من الحرمة إلى الحل يتوقف على أعلى المراتب، وكذلك العبد بإذن سيده، والخصي القائم الذكر، والمجنون، والمجبوب إذا لم يعلم بهم؛ لأن لها الخيار، وإن علمت أحلوها وحصنوها لسقوط خيارها، ولا يحل المجبوب، ولا يحصن لعدم الوطء، قال ابن يونس‏:‏ قال أشهب‏:‏ إذا وطئها المجنون في جنه بعد علمها لا يحلها، ولا يحصنها لنقصانه عن الكمال، والصحيح‏:‏ يحل المجنون ويحصنها؛ لأن الوطء للرجل، وإنما المرأة ممكنة، قال ابن يونس‏:‏ قال بعض شيوخنا‏:‏ وسواء كان مقطوع الحشفة أم لا، وهو ظاهر الكتاب، وقال أشهب‏:‏ إذا اختار السيد أحل وطء العبد، وقال ابن حبيب‏:‏ إذا أدخلت حشفة الشيخ بيدها وانتعش بعد الإدخال أحلها، وإلا فلا، وإن أنزل خارج الفرج فدخل الماء إليه فأنزلت لا يحلها لعدم النكاح، وفي الجواهر‏:‏ قيل‏:‏ لا يشترط الانتشار، ويكفي من مقطوع الحشفة مقدارها، ويشترط علم الزوجة بالوطء دون علم الزوج عند ابن القاسم لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏حتى تنكح زوجا غيره‏)‏ ولم يقل حتى ينكحها زوج غيره، ولأنه أوقع في أدب المطلق، وعكس أشهب؛ لأن الإحلال من فعل الزوج فوطء المجنون يحل عند ابن القاسم دون أشهب فلو كانت هي المجنونة حلت عند أشهب دون ابن القاسم، وقال عبد الملك‏:‏ تحل في الحالين نظرا لحصول الوطء‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا ادعت الوطء، وأنكره لا يحد، وقال ابن القاسم‏:‏ لا أمنع المطلق منها خشية أن يكون إنكاره إضرارا، قال اللخمي‏:‏ إن لم يعلم التحليل إلا من قولها لا يقبل في الأمد القريب، ويقبل في الأمد البعيد إن كانت مأمونة، قال محمد‏:‏ لا يقبل في غير المأمونة، وقال ابن عبد الحكم‏:‏ يقبل إذا طال بحيث يمكن موت شهودها، وهي كالغريبة، وأما الطارئة فتدين لتعذر ذلك عليها إلا أن يقرب الموضع، ولمالك قول ثالث‏:‏ إن قالت ذلك بقرب طلاقها لم تحل، أو بعد الطول عند إرادة الرجوع لم تصدق، وفي الجواهر‏:‏ قال أبو الطاهر‏:‏ كل موضع تصدق فيه على الزوج في دعوى الوطء صدقت في الإحلال، ومالا فلا، وقال صاحب المنتقى‏:‏ قال ابن وهب‏:‏ إن ذكر ذلك عند الفراق لم يحلها ذلك، وفي الكتاب‏:‏ لو مات قبل الدخول، وتوهم الدخول لم تحل حتى يعلم الدخول؛ لأنه السبب، وردته لا تبطل الإحلال المتقدم عليها، ولا الحاجة إلى الإحلال بخلاف الإحصان، والظهار، واليمين بالله تعالى، والعتق، وقال غيره‏:‏ لا يسقط ذلك، والفرق للمذهب أن هذه كفارات وأمور في الذمة فتسقط، كالكافر الأصلي لا تقبل ذمته بعد توبتها بعد الإسلام، والإحلال وتحريم المبتوتة سببان شرعيان لا يوجبان شيئا في الذمة بل إذا أسلم قلنا له‏:‏ تحرم عليك هذه حتى تتزوج لا أن نلزمه شيئا، وتحل للمطلق هذه بوطئك، قال اللخمي‏:‏ قال محمد‏:‏ يسقط الإحلال والإحصان بردتها بخلاف ردته؛ لأنه فعل فعله في غيره فلا يبطل بردته كالعتق، قال اللخمي‏:‏ لو ارتدا ثم رجعا جاز أن يتناكحا قبل زوج عند ابن القاسم؛ لأنهما عنده كالحربيين، وعند غيره لا يجوز؛ لأنهما يعودان على ما كانا عليه، وإن ارتد المحل خاصة‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ لا يحل، وقال غيره‏:‏ يحل، وفي الكتاب‏:‏ لا يحل إلا العقد الصحيح الذي لا اختيار لأحد فيه مع مغيب الحشفة، وما فيه خيار فالوطء بعد الخيار لاستقراره حينئذ، وباشتراط الوطء، قال الأئمة، خلافا لسعيد بن المسيب لما في مسلم‏:‏ ‏(‏أن رفاعة القرظي تزوج امرأة ثم طلقها فتزوجت آخر فأتت النبي - عليه السلام - فذكرت أنه لا يأتيها، وأنه ليس معه إلا مثل هدبة الثوب فتبسم - عليه السلام - وقال‏:‏ أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة‏؟‏ لا، حتى تذوقي عسيلته، ويذوق عسيلتك‏)‏ يريد بعسيلته إيلاج الحشفة، واشترط بعض العلماء الإنزال ولم يشترط الشافعي الانتشار، وبعسيلتها مباشرة فرجها بالحشفة، ومقتضى هذا الحديث اشتراط علمها، وبلوغها، وجوز ‏(‏ش‏)‏ المراهق، والصغير لما جبلت عليه الطباع من لذة المباشرة ولو صغر السن، وقياسا لإحلال الصغير على إحلال الصغيرة والمبتوتة، وجوز ‏(‏ح‏)‏ المراهق، ومنعه مالك؛ لأنه خلاف المفهوم من الحديث، قال اللخمي‏:‏ وعلى أحد قولي مالك في المراهق يحد في الزنا‏:‏ يحل، وفي الكتاب‏:‏ وطء الحائض أو أحدهما معتكف‏:‏ أو صائم رمضان، أو محرم لا يحل ولا يحصن، واشترط ‏(‏ش‏)‏ حل الوطء، ولا يحل وطء النصراني النصرانية إلا أن يطأها بعد إسلامه، قال اللخمي‏:‏ وقال أيضا يحللها النصراني، وهو أصوب؛ لاندراجه في عموم الأزواج‏.‏

فرع‏:‏

قال صاحب البيان‏:‏ إذا تزوجها من حلف ليتزوجن على امرأته لتبر يمينه، فثلاثة أقوال‏:‏ قال ابن القاسم يحلها؛ لأنه لم يعزم على التحليل، وقال أيضا‏:‏ لا يحلها، كانت تشبه أن تكون من نسائه أم لا؛ لأنه لم ينو الإقامة بل الخروج من يمينه فأشبه المحلل، وقال ابن كنانة إن كانت تشبه أن تكون من نسائه حلت، وإلا فلا‏.‏

قاعدة‏:‏ كل متكلم له عرف في لفظه‏:‏ إنما يحمل لفظه على عرفه، ولذلك تحمل عقود كل بلد على نقده، ووصاياهم وأوقافهم ونذورهم على عوائدهم، والشرع له عرف في النكاح، وهو المجتمع للأسباب والشرائط، والانتفاء للموانع فحملنا قوله تعالى‏:‏ ‏(‏حتى تنكح زوجا غيره‏)‏ عليه فخرج العقد الفاسد، والوطء المحرم، وإن صح العقد، ووطء النصراني لفساد عقده، وفي الكتاب‏:‏ لا يحلل إلا نكاح الغبة غير المدلسة، قيل لمالك‏:‏ إنه يحتسب ذلك، قال‏:‏ يحتسب في غير هذا لقوله - عليه السلام - في الترمذي‏:‏ ‏(‏لعن الله المحلل والمحلل له‏)‏، واللعنة دليل التحريم، وسببه في المحلل ما فيه من دناءة المروءة من عزم الإنسان على وطء امرأة لتمكين غيره من وطئها بعد صيرورتها فراشا له، ومنسوبة إليه، وفي المحلل له، مع أن القاعدة امتناع مؤاخذة الإنسان بفعل غيره، إما لاستباحته بهذا التحليل الفاسد إن فعل، وإما لأن طلاقه ثلاثا محرم، وهو المخرج إلى هذا، وإما أن يحمل على ما إذا اشترط التحليل، واللعن يدل على فساد العقد فيفسخ أبدا، ولا يحلل مع أن صاحب القبس قال‏:‏ لم يصح هذا الحديث‏.‏

قال ابن يونس‏:‏ قال عبد الملك‏:‏ الوطء الحرام يحلل ويحصن، وقال المغيرة‏:‏ يحصن؛ لأن الإحصان يرجع إلى وجوب الرجم، والمعصية تناسب العقوبة، ولا يحلل؛ لأن الإحلال نعمة تنافيها المعصية، والوطء في صوم التطوع، وقضاء رمضان، ونذر أيام معينة يحل ويحصن عند مالك وأصحابه لحصول العسيلتين، وتوقف ابن القاسم في صوم التطوع، قال مالك‏:‏ إن نوى إمساكها إن أعجبته، وإلا حلها لا يحل؛ لمشاركة نية التحليل، ووافقنا ابن حنبل على فساد العقد إذا اشترط عليه التحليل مع العقد أو قبله أو نواه، وقال ‏(‏ش‏)‏ و‏(‏ح‏)‏‏:‏ يحل إذا نواه من غير شرط، وجوز ‏(‏ح‏)‏‏:‏ نكاح المحلل، والإقامة عليه بل قال بعض الحنفية‏:‏ ذلك قربة بالإحسان للمطلق، لنا عليهم‏:‏ ما تقدم، قال مالك‏:‏ ولا يضر إرادة الزوجين التحليل إذا لم يعلم المحلل؛ لأن الإحلال بالوطء، والطلاق من جهته دونهما، قال مالك‏:‏ يفسخ نكاح المحلل بطلقة أبدا، وله نكاحها بعد ذلك، وتركه أحب إلي، ولها صداق مثلها بالمسيس، وقال أيضا المسمى، وإن ردها زوجها بدليل النكاح الفاسد فسخ بغير طلاق، قال صاحب المنتقى‏:‏ إذا عقد المحلل للتحليل يفسخ قبل البناء وبعده بطلقه بائنة عند محمد إذا ثبت ذلك بإقراره، ولو ثبت بعد البناء إقراره قبل البناء فليس بنكاح، قال‏:‏ وعندي يجري فيه الخلاف في فساد العقد، ويجب عليه أن يعلم الأول بقصده للتحليل حتى يمتنع، وإذا اشترى المبتوتة لا تحل له، وقال الأئمة‏:‏ لأن الآية اشترطت النكاح، وهو ظاهر في التزويج دون الملك‏.‏

المانع الثامن الكفر

وفيه خمسة فصول‏:‏

الفصل الأول‏:‏ فيما يحل

وفي الجواهر‏:‏ الكفار ثلاثة أصناف‏:‏ الكتابيون يحل نكاح نسائهم، وضرب الجزية عليهم، وإن كرهه في الكتاب لسوء تربية الولد، ولأمر عمر - رضي الله عنه - الصحابة بمفارقة الكتابيات ففعلوا إلا حذيفة، وقاله ابن حنبل، وأجازه ‏(‏ش‏)‏ من غير كراهة لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم‏)‏ ‏(‏المائدة‏:‏ 5‏)‏، والمراد بالمحصنات هاهنا‏:‏ الحرائر‏.‏

والزنادقة، والمعطلة لا يناكحوا، ولا تؤخذ منهم الجزية، والمجوس لا يناكحوا، وتؤخذ منهم الجزية لمفهوم الآية المتقدمة، ولقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏سنوا بهم سنة أهل الكتاب غير آكلي أطعمتهم ولا ناكحي نسائهم‏)‏، وبهذه الجملة، قال الأئمة، وقيل‏:‏ يحل نكاح حرائر المجوس نظرا؛ لأنهم لهم كتاب وعقد، وهذا لا عبرة به، فإن الوثنيين من ولد إسماعيل، والمعتبر إنما هو حالتهم الحاضرة، قال اللخمي‏:‏ لا يجوز وطء الوثنيات بنكاح ولا ملك لعموم قوله تعالى‏:‏ ‏(‏ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن‏)‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 221‏)‏، وقيل‏:‏ الصابئون من النصارى، والسامرية من اليهود، وقيل‏:‏ ليسوا منهما فيجوز نكاحهم على الأول دون الثاني‏.‏

تمهيد‏:‏ قوله تعالى‏:‏ ‏(‏والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن‏)‏ الآية متأخرة النزول عن قوله تعالى‏:‏ ‏(‏ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن‏)‏ فأبيحت الأمة الكتابية قياسا على الحرائر بجامع الشرف بالكتاب، وتسوية بين المناكح والأطعمة، وقيل‏:‏ المشركات خاص بالوثنيات، وإن أشرك اليهود بعزير، والنصارى بعيسى عليهما السلام لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين‏)‏ ‏(‏البينة‏:‏ 1‏)‏ فباين بينهم في آيات كثيرة من الكتاب‏.‏

تنبيه‏:‏ لما تشرف أهل الكتاب بالكتاب، ونسبتهم إلى المخاطبة من رب الأرباب أبيح نساؤهم وطعامهم، وفات غيرهم هذا الشرف بحرمانهم، وأما الأمة الكتابية‏:‏ فلا لأن الله تعالى حرم الأمة المؤمنة، إلا بشرطين‏:‏ صيانة للولد عن الرق، والأمة الكافرة تجمع بين الإرقاق، وتلقين الكفر، وتغذية الخمر والخنزير فحرمت مطلقا، وقاله ‏(‏ش‏)‏، وابن حنبل، وأجازها ‏(‏ح‏)‏ تسوية بين الحرائر والإماء عكسه المجوس، والفرق عندنا اجتماع المفسدتين‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ توطأ الأمة المجوسية الصغيرة إذا أجبرت على الإسلام وعقلت ما يقال لها، وفي اللباب‏:‏ توطأ الأمة الكتابية بالملك، وقاله الأئمة، ولا يمنع نصراني من نكاح مجوسية، ولا مجوسي من نصرانية؛ لأنا لا نتعرض لهم‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ الولد تبع للوالد في الدين، والحرية، ولأمه في الملك، والجزية؛ لأن الأديان إنما تقوم بالنصرة، وهي بالرجال أليق، والرق مهانة واستيلاء، وهما بالنساء أنسب، قال أبو الطاهر‏:‏ وقيل‏:‏ يتبع الأم كيف كانت قياسا على الرق، والحرية، وقيل‏:‏ أحسنهما دينا تغليبا للإسلام، وقاله ‏(‏ش‏)‏، وما ولد للمرتد بعد ردته هل يكون كولد الكافر في السبي والرق والجبر على الإسلام، أو يجبر على كل حال‏؟‏ قولان، وإذا قلنا ببقائهم، فهل نفقتهم على آبائهم‏؟‏ قولان كالقولين في نفقات الزوجات إذا أسلمن، ورجح ابن محرز النفقة على الأب لوجوب سببها، وهو القرابة‏.‏

وفي الكتاب‏:‏ إسلام الأب إسلام لصغار بنيه، وإذا زوج النصراني ابنته الطفلة من كتابي ثم أسلم الأب، وهي صغيرة فسخ نكاحها، وكذلك الطفل لو كانت المرأة مجوسية يعرض عليها الإسلام، فإن أبت فرق بينهما ما لم يتطاول، وإن كان الولد مراهقا ابن اثنتي عشرة سنة حالة الإسلام فلا يجبر عليه إلى البلوغ، فإن أقام على دينه لم يعرض له لاستقلاله على التمييز، وإن ترك الأطفال حتى راهقوا، فإن أبوا الإسلام ‏(‏لم يجبروا؛ لأنها حالة تأبى التبعية، وقال بعض الرواة‏:‏ يجبرون نظرا لحالة الإسلام‏)‏، وهو أكثر مذاهب المدنيين‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ لو مات أبو المراهق، وقف المال إلى أن بلغ وأسلم، ورث، وإلا فلا، ولو أسلم قبل احتلامه لم يتعجل ذلك حتى يحتلم؛ لأنه لو رجع لم يقتل، وقيل‏:‏ يقتل، وله الميراث، ولو رجع ضرب حتى يسلم أو يموت، قال مالك‏:‏ ولو قال الولد‏:‏ إني لا أسلم إذا بلغت لا يعتبر ذلك‏.‏